![]() |
رجل الاعمال عبد الرسول شهاب و معد اللقاء حسن الخاطر |
أول بأول- « حوار: حسن الخاطر «مجلة الخط - 10»
لقد تجاوزنا مرحلة الظن ووصلنا إلى أعلى درجات اليقين للنتيجة التي تُخبرنا أن المال هو نتيجة طبيعية للكدح والتعب الذي يقوم به الإنسان، ومما يعضّد من صحة هذه النتيجة هذه المقابلة التي أقدم لكم فيها مثالًا لفت انتباهي بشكل شديد، وذلك بسبب وجوده في قريتنا القديح، فكنا منذ الصغر نسمع به كثيرًا، وكان الأمر اللافت للنظر والأكثر انتشارًا حوله هو أنه كان يعيش في حالة يرثى لها؛ نتيجة الفقر المدقع الذي لازمه مع خروجه من بطن أمه، إلا أنه لم يستسلم للفقر، وقد نجح في القفز فوق الفقر، فأصبح من ألمع رجال الأعمال في القطيف، قررت الذهاب إليه في بيته بالقديح لإجراء هذا الحوار معه.
...


كان أبي يقسّم أعمال المزرعة على أولاده، وكانت مهمتي طرد العصافير كي لا تأكل الزرع! لقد كنت أمارس هذا العمل وعمري ستّ سنوات! وبعد سنتين انتقلت إلى سقي الزرع، ونظرًا لحبي الشديد في مواجهة الجمهور قررت أن انتقل إلى السوق لأمارس بيع المحصول الزراعي في سوق القطيف وبعد ذلك في الدمام، وعمري آنذاك اثنتا عشرة سنة، وهذه نقطة حاسمة بالنسبة لي في حياتي، فقد تعلمت من مواجهة الجمهور الشيء الكثير عن الحياة.
فلكي ينجح الإنسان في المهمة المسندة إليه عليه أن يعمل بجد وإخلاص، وهذا ما فعلته، فكانت النتيجة ممتازة، ذلك أني كنت أبيع المحصول في زمن قياسي وأحصل على ثلاثة ريالات في اليوم، وهو مبلغ كبير جدًا بالنسبة لذلك الزمن، ولتوضيح هذه المسألة يكفي أن تعلم أن موظف أرامكو يتقاضى في اليوم ريالًا واحدًا فقط! إنها نسبة تفوق موظف أرامكو بكثير!
عندما أصبح عمري خمس عشرة سنة تخلصنا أنا وإخوتي من العمل في المزرعة وانتقلنا إلى تجارة المواشي، وعليّ أن أوضح أمرًا مهمًا للقارئ، أن تجارة الحيوانات كالجمال والحمير والأبقار والأغنام في تلك الفترة الزمنية، كانت تحظى بشعبية كبيرة وذلك للاحتياج اليومي لها، وهذه المرحلة استغرقت سبع سنوات.
لقد نجحت نجاحًا باهرًا من تجارة الحيوانات، وعليّ أن أعترف أن السبب الحقيقي لهذا النجاح الذي حصلت عليه ليس بذكاء مني، بل هو توفيق من الله سبحانه وتعالى، وأقدّم نصيحتي للشباب وأقول: يجب علينا إذا أردنا أن نصل إلى النجاح في التجارة بشكل خاص وفي الحياة بشكل عام، فهناك خمسة أمور تعلمتها من الحياة إذا تمسك بها الإنسان حتمًا سوف يصل إلى النجاح: مخافة الله، الصدق، الأمانة، العزيمة، بر الوالدين، ويوجد حولنا ممن شاهدتهم من الذين استخدموا الحيلة والخداع والسرقات الذكية لم يوفقوا في حياتهم، فقد كشفت تجارب زماننا على صدق ذلك.
والحقيقة أن الوالدين يشكلان الشيء الكثير في حياتي، فهما الروح التي أعيش بها، ولهما الفضل بعد الله في جميع ما حصل لي من نجاح في هذه الحياة، وقد قرن الله عبادته بطاعتهما في كتابه الحكيم، وهذا يدل بكل بساطة على تلك المكانة العظيمة لهما، ومهما فعلت لهما من إحسان فلن يعادل واحدًا من مليون مما قدّماه لي، ومما علمتني الحياة إنني شاهدت أحد الرجال له خمسة أبناء، وكان هؤلاء الأبناء يضربون والدهم ووالدتهم، لكن العدالة كافأتهم بأنهم عاشوا عيشة الدراويش وماتوا ميتة الكلاب!
انتقلت بعد تجارة الحيوانات إلى شراء سيارة والمتاجرة في مواد البناء «اسمنت، خشب، حديد، طابوق»، فالتاجر الذكي هو الذي يدرس متطلبات العصر، وقد توسع العمل بعد ذلك إلى شراء مجموعة سيارات وافتتحت مكتب مقاولات، ووصل عدد العمال إلى سبعة وعشرين عاملًا، فكان العمال ينزلون البحر ويقصّون الحجر المستخدم للبناء، وعملت بنفسي في قصّ الحجر من البحر، وهو أصعب الأعمال الشاقة التي واجهتها في حياتي.
قفزت قفزة بعد ذلك وقررت إنشاء مصنع للطابوق قبل أربعين سنة بالقرب من مسجد الشيخ عزيز بالبحاري، وكان الطابوق يصنّع بشكل يدوي وتقليدي، واستعنت بعمالة أجنبية من يمانيين وباكستانيين وقد وجدت بعد ذلك أن الناس توجهت إلى البيوت المسلّحة ولم تعد ترغب في البناء القديم، وكما أشرت لك أن التاجر الذكي هو الذي يدرس متطلبات العصر، ونتيجة توسع أعمال الشركة قسّمنا العمل أنا وإخوتي من أمي وكان مجموعنا خمسة، وإخوتي كانوا معي من البداية، فتوجهت لمواد البناء والمقاولات إضافة إلى تجارتي في العقار، فمن ذاكرتي هذا النخل الذي فيه بيتي ويبلغ مساحته 18. 000 متر مربع، اشتريته بمليون ونصف تقريبًا، وهذا المبلغ قد جمعته من أعمالي السابقة التي حكيتها لك، والهدف من شراء النخل هو إنشاء مصنع الأسمنت، واشتريت الآلات من ألمانيا، أما السيارات فاشتريتها من الجفالي، وقد اقترضت لهذا المصنع نصف مليون ريال من صديق لي، وأرجعتها له بعد فترة بسيطة من مال كنت أنتظره من البلدية عوضًا عن مستخلص لي في القديح، وأرجعته لصاحب الدين.
فمن الجائز أن يقترض التاجر بنسبة لا تتجاوز 20% من رأس مال المشروع، أما إذا زادت فأنا أنصحه بتغيير المشروع إلى مشروع يتناسب مع رأس ماله أو البحث عن شريك يثق فيه، والسبب يعود إلى عدم وجود ضمان لنجاح المشروع، فالدراسات تبقى كلامًا نظريًا وليست عمليًا، وهذه النسبة التي حددتها يستطيع التاجر تسديدها بكل بساطة فيما لو فشل المشروع، فالديون تكبل حياة الإنسان، ولست مبالغًا إذا قلت إن المدين لا يستطيع التفكير بأسلوب صحيح ولا يتهنأ بالنوم.
توسعت الشركة تدريجيًا مع الزمن وانتقلت إلى صناعية الأوجام وما زالت حتى هذا الوقت، والشركة تسعى إلى تطوير نفسها مع تقدم الزمن.
وبحسب خبرتي في الحياة التجارية لم أر عملًا أكثر بركة من العقار، فهو الابن البار، واليوم يبرهن لنا أن أصحاب الثراء هم الذين يعملون في العقارات، وأميل إلى احتمال قوي أن معظم الأثرياء في المملكة الذين يملكون مئات الملايين وصلوا لهذه المرحلة من العقار، فأنا لا أظن أن غير العقار له القدرة على القفز بالإنسان لمنطقة الثراء، ومثال ذلك تشتري أرضًا بمليون ريال تبيعها بعد أيام قليلة بمليون ونصف! وبالطبع لا يمكنني أن أتجاهل الأعمال الأخرى لكنها تتصاغر أرباحها بالنسبة إلى العقار.


ولكن عليَّ أن أوضح أمرًا مهمًا بشأن ذلك، وهو الثراء السريع، فالذي يحلم بالثراء السريع بين يوم وليلة، لا ينظر للحياة بنظرة حكيمة، فالإنسان الناجح والحكيم هو الذي ينظر للحياة بعقلانية ويعرف أن التدرج في الوصول إلى الهدف هو الطريق الصحيح.
وأنا شخصيًّا قد خسرت في سوق الأسهم أكثر من عشرة ملايين ريال، ولست متندمًا جرّاء ذلك، فعندما تتعلم من أخطائك السابقة فهذا يعني أنك قد نجحت واكتسبت الخبرة في هذه الحياة، فالاختيار الصحيح هو عبارة عن مجموعة من الاختيارات غير الصحيحة ينتج عنها هذا الخيار الصحيح، وهذه نتيجة مهمة جدًا يجب على الإنسان أن يتعامل معها بجدية - وأديسون الذي اخترع المصباح قال كلمته: «أجريت ألف تجربة فاشلة قبل الحصول على مصباح حقيقي»، والواقع بالضبط أن أديسون لم يفشل بل نجح من أول تجربة، ويتجلى هذا النجاح بأنه اكتشف 999 طريقة لا تؤدي إلى الهدف المنشود! -، فالإنسان الذي يتعلم من تجاربه بلا شك إنسان ناجح. علاوة على ذلك في عقيدتي أن المال الذي تخسره تستطيع أن تعوضه في مشاريع أخرى، وهذا ما أتبعه هو تنوع المشاريع، فعندما يفشل أحد المشاريع فالمشروع الثاني والثالث والرابع يعوضون ما خسرته في المشروع الأول، وسياسة التنوع سياسة حكيمة، وأنا شخصيًا أتبعها «سوق الأسهم، سوق العقار، صالات أفراح، محطات وقود، خرسانة مواد بناء».
ونصيحتي هي التنوع في المشاريع، وعدم سلوك الطريق الذي سلكه الآخرون، فالتجديد في المشروع يساعد بكل تأكيد على نجاح المشروع.


وهذا الارتفاع يوجد له سبب واحد فقط، وهو «شركة أرامكو»، فكل العقارات متوقفة بسببها، ويجب على الدولة أن تهتم بالموضوع وتعالجه قبل أن تتفاقم المشكلة، وأنا متفائل من أن الدولة سوف تعالج المشكلة في وقت قصير جدًا.
فأنا أرى أن السعر الطبيعي للمتر في القطيف «500» ريال فقط، وأميل إلى احتمال قوي في حالة فتح المخططات «مخطط الموسى، مخطط الشبيلي، مخطط الشاطئ،...»، إلى أن الأسعار سوف تتراجع في السنوات القادمة بأكثر من 50%.


وهذا هو الذي يخطط له الأذكياء أنهم يستثمرون في أطراف البلد، فنتيجة النمو السكاني سيصل الناس إلى هذه الأطراف والأيام قد أثبتت ذلك، فالجش «ب» على سبيل المثال كانت غير مرغوبة وسعر الأرض قبل عشر سنوات تقريبًا بثمن بخس، عشرات الآلاف من الريالات فقط، أما اليوم فسعر الأرض أكثر من مليون ريال.
أضف إلى ذلك، أن الأموال في العقار تبقى محفوظة ولا يخاف عليها من الخسارة، وهذه الميزة يتميز بها العقار عن المشاريع وسوق الأسهم وما شابه ذلك.








ويوجد صنفان من الأثرياء، فالصنف الأول هو الذي حصل على المال بكدحه وتعبه، أما الصنف الآخر هو الذي حصل على المال بالوراثة، ومن الملاحظ أن الصنف الأول يسعى بكل طاقته للمحافظة على ما حققه، بعكس الصنف الآخر الذي لا يبالي، وربما تقوده هذه اللامبالاة إلى تضييع ما ورثه. وصدقني أن الصنف الأول لو حاولت إيقافه عن العمل فمن المستحيل أن يتوقف، على العكس تمامًا من القسم الثاني الذي يفضل الراحة على العمل.
وهناك طبيعة مزروعة في الإنسان الذكي لا يمكن أن نتجاهلها وهي «التطور»، فالإنسان الذكي يسعى دائمًا لتطوير مشاريعه وزيادة ثروته، ولا يكتفي بما وصل إليه، ولمزيد من الوضوح حول العمل أقول: اعمل من المهد إلى اللحد، ما دامت لك القدرة على العمل! وعلى الرغم من تهيئتي للأولاد لتسلّم بعض أعمال الشركة فمن المستحيل أن أتوقف عن العمل ما دامت لي القدرة على ذلك، حتى لو بلغت مئة سنة، فأنا أحب العمل، وحب العمل يجري في عروقي.










الشيء الثاني الذي يجب عليّ أن أقوله حول أيامنا هذه: قضية الجرائم الفظيعة جدًا، التي انتشرت في مجتمعنا، كالسرقات والسطو المسلح، ولا أظن أن هذه الجرائم بسبب الفقر، فالفقر لا وجود له في وجود المساعدات المالية كالضمان الاجتماعي، وبحسب ما أراه فإن تعاطي المخدرات هو الذي يدفع الشباب لممارسة مثل هذه الجرائم الوحشية، ويستحيل علينا القضاء على هذه الظواهر السلبية إلا إذا تعاون أفراد المجتمع بأكملهم في الوقوف ضد هذه الظواهر، والعلاج الذي أقترحه في رأيي للقضاء على مثل هذه الظواهر السلبية، التجنيد العسكري الإجباري للطلاب الفاشلين دراسيًا في مرحلة الثانوية، أما الناجحون فيواصلون دراستهم الجامعية، فمن المفيد أن أوضح لك أن العسكرية تصقل الإنسان، فوجود مثل هؤلاء لخمس سنوات على الأقل في العسكرية سيكون علاجًا مناسبًا لهم، إضافة إلى تحويلهم من عناصر ضارة للمجتمع إلى عناصر مفيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق